اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 131
قلت: (قفينا) : أتبعنا، و (عيسى) عجمي معدول عن أيشوع في لغة السريانية، وهو غير منصرف للعلمية والعجمة، و (مريم) : بمعنى الخادم، ووزنه: مَفْعَل لا فعيل، و (أيدناه) أي: قويناه ونصرناه، و (روح القدس) هنا جبريل عليه السلام أي: الروح المقدسة- من إضافة الموصوف إلى الصفة-، سمي به لطهارته من كدر الحس.
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى التوراة، فما قمتم بحقها ولا عملتم بما فيها، واتبعنا بعده الرسل كلما مات رسول بعثنا بعده آخر اعتناء بكم، وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ المعجزات الواضحات كإحياء الموتى، وإبراء الأكمة والأبرص، والإخبار بالمغيبات، والإنجيل، وَأَيَّدْناهُ بجبريل عليه السلام كان يسير معه حيث سار، ورفعه إلى السماء حين أردتم يا معشر اليهود قتله، أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ من مشاق الطاعات وترك الحظوظ والشهوات، اسْتَكْبَرْتُمْ وامتنعتم من الإيمان به فَفَرِيقاً منهم كذبتموه كعيسى وسليمان ومحمد- عليهم السلام-، وَفَرِيقاً تقتلونه كزكريا ويحيى- عليهما السلام-؟ قال القشيري:
أصْغَوْا إلى الداعين بسمع الهوى، فصار معبودهم صفاتهم وهواهم. هـ-.
الإشارة: كل ما قاله الحقّ جلّ جلاله لبني إسرائيل في فحوى الخطاب يقوله لهذه الأمة في سرّ الخطاب، فلقد آتانا الكتاب، وبيَّن فيه الرشد والصواب، وقفَّى بعد إنزاله بعلماء أتقياء، وأولياء أصفياء، يحكمون بحكمه، ويهدون بهديه، فإذا أمروا بالزهد في الدنيا وترك الحظوظ والهوى رفضوهم وكذبوهم، وربما كفَّروهم وقتلوهم، واستكبروا عن الأذعان لهم والانقياد لقولهم، ففريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون.
وفى الحديث قال صلّى الله عليه وسلّم: «لَتَتبعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلكم شِبْراً بشِبرٍ وذَراعاً بذراعٍ، حَتَّى لَوْ دَخلُوا جُحْر ضَبٍّ لدَخَلْتُموه، فقالوا: مَن يا رسول الله اليهودُ والنصارى؟ قالَ: نعم.. ومَنْ إذن؟» أي: ومَن تتبعون إلا هم؟. فالدعاة إلى الله لا ينقطعون ما دام الدين قائماً، فقوم يدعون إلى أحكام الله، وقوم يدعون إلى معرفة الله، فالأول: العلماء، والثاني:
الأولياء، فإذا أمروا بالخروج عن العوائد والشهوات، رموهم بسهام العتاب والمخالفات، إذ لم يأت أحد بمثل ما جاءوا به إلا عودي، إلا من خصته سابق العناية، وهبت عليه ريح الهداية، فيتبع آثارهم، وقليلٌ ما هم.
ثم ذكر الحق تعالى مقالتهم الشنيعة، فقال:
[سورة البقرة (2) : آية 88]
وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (88)
قلت: (غلف) : جمع أغلف، كأحمر وحُمْر، وأصفر وصُفْر، وهو الذي عليه غشاوة، أي: هي في غلاف فلا تفقه ما تقول، بمنزلة الأغلف، وهو غير المختون، وقيل: أصله (غُلُف) بضم اللام، وبه قرأ ابن محيصن.
اسم الکتاب : البحر المديد في تفسير القرآن المجيد المؤلف : ابن عجيبة الجزء : 1 صفحة : 131